كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ونقل عن مالك، والثوري صحة الظهار في الأمة مطلقًا، وعن سعيد بن جبير، وعكرمة، وطاوس، والزهري صحته في الموطوءة، ثم إن الشرط كونها زوجة في الابتداء فلو ظاهر من زوجته الأمة ثم ملكها بقي الظهار فلا يجوز له وطؤها حتى يكفر كما صرحوا به، والمراد بالزوجة المنكوحة التي يصح إضافة الطلاق إليها فلا فرق بين مدخول بها وغيرها فلا يصح الظهار من مبانة، ومنه ما سمعت آنفًا ولا من أجنبية إلا إذا أضافه إلى التزوج كأن قال لها: إن تزوجتك فأنت عليّ كظهر أمي ثم تزوجها فإنه يكون مظاهرًا، نعم في التاتارخانية: لو قال: إذا تزوجتك فأنت طالق، ثم قال: إذا تزوجتك فأنت عليّ كظهر أمي فتزوجها يقع الطلاق، ولا يلزم الظهار في قول أبي حنيفة، وقال صاحباه: لزماه جميعًا، وعن مالك أنه إذا ظاهر من أجنبية ثم نكحها لزم الظهار أضافه إلى التزوّج أم لا.
وقال بعض العلماء لا يصح ظهار غير المدخول بها، وقال المزني: لا يصح ظهار المطلقة الرجعية، وظاهر {الذين يظاهرون} يشمل العبد فيصح ظهاره، وقد ذكر أصحابنا أنه يصح ظهار الزوج البالغ العاقل المسلم ويكفر العبد بالصوم، ولا ينصف لما فيه من معنى العبادة كصوم رمضان، ومثله المحجور عليه بالسفه على قولهما المفتي به.
وحكى الثعلبي عن مالك أنه لا يصح ظهار العبد، ولا تدخل المرأة في هذا الحكم فلو ظاهرت من زوجها لم يلزم شيء كما نقل ذلك في التاتارخانية عن أبي يوسف، وقال أبو حيان: قال الحسن بن زياد: تكون مظاهرة.
وقال الأوزاعي وعطاء وإسحاق وأبو يوسف: إذا قالت المرأة لزوجها: أنت عليّ كظهر فلانة فهي يمين تكفرها، وقال الزهري: أرى أن تكفر كفارة الظهار ولا يحول قولها هذا بينها وبين زوجها أن يصيبها انتهى، والرقبة من الحيوان معروفة، وتطلق على المملوك، وذلك من تسمية الكل باسم الجزء كما في المغرب، وهو المراد هنا.
وفي (الهداية) هي عبارة عن الذات المرقوق من كل وجه فيجزئ في الكفارة إعتاق الرقبة الكافرة والمؤمنة والذكر والأنثى والكبير والصغير ولو رضيعًا لأن الاسم ينطلق على كل ذلك، ومقتضى ذلك إجزاء إعتاق المرتد والمرتدة والمستأمن والحربي، وفي التاتارخانية أن المرتد يجوز عند بعض المشايخ، وعند بعضهم لا يجوز، والمرتدة تجوز بلا خلاف أي لأنها لا تقتل.
وفي (الفتح) إعتاق الحربي في دار الحرب لا يجزيه في الكفارة، وإعتاق المستأمن يجزيه، وفي التاتارخانية لو أعتق عبدًا حربيًا في دار الحرب إن لم يخل سبيله لا يجوز وإن خلي سبيله ففيه اختلاف المشايخ، فبعضهم قالوا: لا يجوز وشمل الرقبة الصحيح والمريض فيجزى كل منهما واستثنى في الخانية مريضًا لا يرجى برؤه فإنه لا يجوز لأنه ميت حكمًا، وفي جواز إعتاق حلال الدم كلام: فحكي في (البحر) أنه إذا أعتق عبدًا حلال الدم قد قضى بدمه ثم عفي عنه فلو كان أبيض العينين فزال البياض أو كان مرتدًا فأسلم لا يجوز.
وفي (جامع الفقه) جاز المديون والمرهون ومباح الدم، ويجوز إعتاق الآبق إذا علم أنه حي، ولابد أن تكون الرقبة غير المرأة المظاهر منها لما في الظهيرية.
والتاتارخانية أمة تحت رجل ظاهر منها ثم اشتراها وأعتقها كفارة ظهارها قيل: تجزى، وقيل: لا تجزى في قول أبي حنيفة.
ومحمد خلافًا لأبي يوسف، ويجوز الأصم استحسانًا إذا كان بحيث إذا صيح عليه يسمع، وفي رواية النوادر لا يجوز ولا تجزى العمياء ولا المقطوعة اليدين أو الرجلين، وكذا مقطوع إبهام اليدين ومقطوع إحدى اليدين وإحدى الرجلين من جانب واحد والمجنون الذي لا يعقل، ولا يجوز إعتاق المدبر وأم الولد، وكذا المكاتب الذي أدى بعض المال وإن اشترى أباه أو ابنه ينوي بالشراء الكفارة جاز عنها، وإن أعتق نصف عبد مشترك وهو موسر فضمن قيمة باقية لم يجز عند الإمام، وجاز عند صاحبيه، وإن أعتق نصف عبده عن كفارته ثم جامع ثم أعتق باقيه لم يجزه عنده لأن الاعتاق يتجزأ عنده، وشرط الإعتاق أن يكون قبل المسيس بالنص؛ وإعتاق النصف حصل بعده، وعندهما إعتاق النصف إعتاق الكل فحصل الكل قبل المسيس، واشترط الشافعي عليه الرحمة كون الرقبة مؤمنة ولو تبعًا لأصل أو دار أو ساب حملًا للمطلق في هذه الآية على المقيد في آية القتل بجامع عدم الاذن في السبب.
وقال الحنفية: لا يحمل المطلق على المقيد إلا في حكم واحد في حادثة واحدة لأنه حينئذٍ يلزم ذلك لزومًا عقليًا إذ الشيء لا يكون نفسه مطلوبًا إدخاله في الوجود مطلقًا ومقيدًا كالصوم في كفارة اليمين.
ورد مطلقًا ومقيدًا بالتتابع في القراءة المشهورة التي تجوز القراءة بمثلها، والكلام في تحقيق هذا الأصل في الأصول.
وقالوا على تقدر التنزل إلى أصل الشافعية من الحمل مطلقًا: إنه لا يلزم من التضييق في كفارة الأمر الأعظم وهو القتل ثبوت مثله فيما هو أخف منه ليكون التقييد فيه بيانًا في المطلق، وما ذكروه من الجامع لا يكفي، ووافقوا في كثير مما عدا ذلك، وخالفوا أيضًا في كثير فقالوا: يشترط في الرقبة أن تكون بلا عيب يخل بالعمل والكسب فيجزئ صغير ولو عقب ولادته وأقرع وأعرج يمكنه من غير مشقة لا تحتمل عادة تتابع المشي.
وأعور لم يضعف نظر سليمته حتى أخل بالعمل إخلالًا بينًا.
وأصم وأخرس يفهم إشارة غيره ويفهم غيره إشارته مما يحتاج إليه.
وأخشم.
وفاقد أنفه.
وأذنيه.
وأصابع رجليه.
وأسنانه.
وعنين.
ومجبوب.
ورتقاء.
وقرناء.
وأبرص.
ومجذوم.
وضعيف بطش.
ومن لا يحسن صنعة.
وولد زنا.
وأحمق وهو من يضع الشيء في غير محله مع علمه بقبحه وآبق.
ومغصوب.
وغائب علمت حياته أو بانت وإن جهلت حالة العتق لازمن.
وجنين وإن انفصل لدون ستة أشهر من الإعتاق.
أو فاقد يد.
أو رجل.
أو أشل أحدهما.
أو فاقد خنصر وبنصر معًا من يد.
أو أنملتين من غيرهما.
أو أنملة إبهام كما قال النووي عليه الرحمة ولا هرم عاجز؛ ولا من هو في أكثر وقته مجنون ولا مريض لا يرجى عند العتق برء مرضه كسلال فإن برأ بعد إعتاقه بأن الإجزاء في الأصح.
ولا من قدم لقتل بخلاف من تحتم قتله في المحاربة قبل الرفع للإمام، ولا يجزى شراء أو تملك قريب أصل أو فرع بنية كفارة ولا عتق أم ولد ولا ذو كتابة صحيحة قبل تعجيزه، ويجزى مدبر ومعلق عتقه بصفة غير التدبير، وقالوا: لو أعتق معسر نصفين له من عبدين عن كفارة فالأصح الإجزاء إن كان باقيهما أو باقي أحدهما حرًّا إلى غير ذلك.
وفي الإتيان بالفاء في قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ} إلخ دلالة على ما قال بعض الأجلة: على تكرر وجوب التحرير بتكرر الظهار، فإذا كان له زوجتان مثلًا فظاهر من كل منهما على حدة لزمه كفارتان.
وفي التلويح لو ظاهر من امرأته مرتين أو ثلاثًا في مجلس واحد أو مجالس متفرقة لزمه بكل ظهار كفارة، وفي إطلاقه بحث، فقد ذكر بعضهم أنه لو قصد التأكيد في المجلس الواحد لم تتعدد، وفي شرح الوجيز للغزالي ما محصله: لو قال لأربع زوجات: أنتن عليّ كظهر أمي فإن كان دفعة واحدة ففيه قولان، وإن كان بأربع كلمات فأربع كفارات، ولو كررها والمرأة واحدة فإما أن يأتي بها متوالية أولًا، فعلى الأول: إن قصد التأكيد فواحدة وإلا ففيه قولان: القديم وبه قال أحمد واحدة كما لو كرر اليمين على شيء واحد، والقول الجديد التعدد وبه قال أبو حنيفة.
ومالك وإذا لم تتوال أو قصد بكل واحدة ظهارًا أو أطلق ولم ينو التأكيد فكل مرة ظهار برأسه، وفيه قول: إنه لا يكون الثاني ظهارًا إن لم يكفر عن الأول، وإن قال: أردت إعادة الأول ففيه اختلاف بناءًا على أن الغالب في الظهار أن معنى الطلاق أو اليمين لما فيه من الشبهين انتهى.
وظاهر بعض عبارات أصحابنا أنه لو قيد الظهار بعدد اعتبر ذلك العدد؛ ففي التتارخانية لو قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت عليّ كظهر أمي مائة مرة فعليه أي إذا تزوجها لكل كفارة، وتدل الآية على أن الكفارة المذكورة قبل المسيس فإن مس أثم ولا يعاود حتى يكفر، فقد روى أصحاب السنن الأربعة عن ابن عباس أن رجلًا وهو سلمة بن صخر الأنصاري كما في حديث أبي داود والترمذي وغيرهما ظاهر من امرأته فوقع عليها قبل أن يكفر فقال صلى الله عليه وسلم: «ما حملك على ذلك؟ا فقال: رأيت خلخالها في ضوء القمر وفي لفظ بياض ساقها قال عليه الصلاة والسلام: فاعتزلها حتى تكفر» ولفظ ابن ماجه «فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن لا يقربها حتى يكفر».
قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، ون في كونه صحيحًا ردّه المنذري في مختصره بأنه صححه الترمذي ورجاله ثقات مشهور سماع بعضهم من بعض.
وروى الترمذي وقال: حسن غريب عن ابن إسحاق بالسند إلى سلمة المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المظاهر يواقع قبل أن يكفر: «كفارة واحدة تلزمه» ويردّ به على مجاهد في قوله: يلزمه كفارة أخرى، ونقل هذا عن عمرو بن العاص وقبيصة وسعيد بن جبير والزهري وقتادة، وعلى من قال تلزمه ثلاث كفارات، ونقل ذلك عن الحسن والنخعي، وبه وبما تقدم يردّ على ما قيل: من أنه تسقط الكفارة الواجبة عليه ولا يلزمه شيء ولا ترتفع حرمة المسيس إلا بها لا بملك ولا بزوج ثان حتى لو طلقها من بعد الظهار ثلاثًا فعادت إليه من بعد زوج آخر أو كانت أمة فملكها بعد ما ظاهر منها لا يحل قربانها حتى يكفر، وهو واجب على التراخي على الصحيح لكون الأمر الدالة عليه الآية مطلقًا حتى لا يأثم بالتأخير عن أول أوقات الامكان، ويكون مؤديًا لا قاضيًا، ويتعين في آخر عمره، ويأثم بموته قبل الأداء، ولا تؤخذ من تركته إن لم يوص ولو تبرع الورثة في الإعتاق، وكذا في الصوم لا يجوز كذا في (البدائع) فإن أوصى كان من الثلث، وفي التاتارخانية لو كان مريد التكفير مريضًا فأعتق عبده عن كفارته وهو لا يخرج من ثلث ماله فمات من ذلك المرض لا يجوز عن كفارته وإن أجازت الورثة، ولو أنه بريء من مرضه جاز، وللمرأة مطالبته بالوطء والتكفير؛ وعليها أن تمنعه من الاستمتاع بها حتى يكفر، وعلى القاضي أن يجبره على التكفير دفعًا للضرر عنها بحبس فإن أبى ضربه؛ ولو قال: قد كفرت صدّق ما لم يكن معروفًا عند الناس بالكذب.
هذا وبقيت مسائل أخر مذكورة في كتب الفقه {ذلكم} الإشارة إلى الحكم بالكفارة والخطاب للمؤمنين الموجودين عند النزول أو لهم ولغيرهم من الأمة {تُوعَظُونَ بِهِ} أي تزجرون به عن ارتكاب المنكر، فإن الغرامات مزاجر عن تعاطي الجنايات، والمراد بيان أن المقصود من شرع هذا الحكم ليس تعريضكم للثواب بمباشرتكم لتحرير الرقبة الذي هو علم في استتباع الثواب العظيم بل هو ردعكم وزجركم عن مباشرة ما يوجبه كذا في (الإرشاد)، وهو ظاهر في كون الكفارة عقوبة محضة، وقد تقدم القول بأنها دائرة بين العبادة والعقوبة، وكلام الزيلعي يدل على أن جهة العبادة فيها أغلب، وفي شرح منهاج النووي لابن حجر في كتاب كفارة الظهار الكفارة من الكفر وهو الستر لسترها الذنب بمحوه أو تخفيف إثمه بناءًا على أن الكفارات زواجر كالتعازير أو جوابر للخلل، ورجح ابن عبد السلام الثاني لأنها عبادة لافتقارها للنية أي فهي كسجود السهو.